في السنة العاشرة للهجرة أعلن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) بشكل رسمي ولأول مرة النفير العام للحج، وأن يحضر جميع الناس في تلك المراسم مهما استطاعوا، وسُمِّيت هذه السفرة بـ "حجة الوداع".
وكان الهدف النبوي من هذه السفرة بيان ركنين من أركان الإسلام ليتمَّ بهما تبليغ الرسالة: أحدهما الحج، والآخر الخلافة والولاية على الأُمَّة بعده.
وخرجت القافلة النبوية العظيمة إلى الحج، وأدَّى المسلمون مناسكهم بتعليم مباشر من النبي(صلى الله عليه وآله). وبعد الانتهاء من هذه المناسك أمر(صلى الله عليه وآله) بلالا أن ينادي بالناس: "لايبقى غداً أحد الاّ خرج إلى غدير خم".
تحرَّكت القافلة العظيمة التي كانت تضم 120000 من المسلمين نحو الغدير، يوم الخميس الخامس عشر من ذي الحجة، بعد ثلاثة أيام من مراسم الحج.
وقبيل الظهر من يوم الاثنين الثامن عشر من ذي الحجة ولدى وصولهم إلى منطقة "غدير خم"، تسمَّر النبي(صلى الله عليه وآله) في مكانه وأصدر أمره إلى المسلمين بالتوقف. فتوقَّفت القافلة كلها في منطقة الغدير، وأخذ كل فرد يتدبَّر أمر إقامته هناك حيث نصبوا خيامهم وبأمر من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام المقداد وسلمان وأبوذر وعمار بكسح الأشواك تحت أشجار كانت هناك ورفع الأحجار وقطع الأغصان المتدلِّية إلى الأرض، ونظَّفوا المكان ورشُّوه بالماء، ومدُّوا ثياباً بين شجرتين لتظليل المكان. ثم بنوا المنبر في وسط الظل، فجعلوا قاعدته من الأحجار ووضعوا
الضجيج عليها بعض أقتاب الإبل، حتى صار بارتفاع قامة ليكون مشرفاً على الجميع يرون النبي(صلى الله عليه وآله) ويسمعون صوته، وفرشوا عليه بعض الثياب.
وبعد إقامة الصلاة ظهراً رقى النبي(صلى الله عليه وآله) المنبر ووقف على أعلى مرقاة منه. ثم دعا بأميرالمؤمنين (عليه السلام) وأمره أن يصعد المنبر ويقف إلى يمينه. فجاء أميرالمؤمنين (عليه السلام) ووقف على المنبر أدنى من موقف النبي(صلى الله عليه وآله) بمرقاة بحيث وضع النبي(صلى الله عليه وآله)يده على كتفه.
خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1)
وشرع النبي(صلى الله عليه وآله) في خطبته التاريخية، آخر خطبة رسمية له إلى العالم أجمع، التي لم يذكر التاريخ خطبة لنبي من الأنبياء عبر التاريخ مثلها في مثل هذا الحشد المهيب الذي اجتمع فيه أكثر من مائة وعشرين ألفاً.
ففي الفقرة الأُولى من الخطبة بدأ النبي(صلى الله عليه وآله) بحمد الله والثناء عليه، ذاكراً صفاته وقدرته ورحمته، شاهداً على نفسه بالعبودية المطلقة أمام الذات المقدسة.
وفي الفقرة الثانية ألفت النبي(صلى الله عليه وآله) المسلمين إلى الهدف الأصلي من الخطبة، وأخبرهم أن الوحي نزل عليه، وأنه يجب عليه إبلاغهم الأمر الإلهي في علي بن أبي طالب، وإن لم يفعل فلايؤمن عليه من عذاب الله وعقابه!
وفي الفقرة الثالثة أعلن النبي(صلى الله عليه وآله) إمامة اثني عشر إماماً من عترته إلى آخر الدنيا، لكي يقطع بذلك طمع الطامعين بالسلطة بعده نهائياً.
ومن النقاط المهمة في هذه الخطبة الشريفة بيان النبي(صلى الله عليه وآله)عصمة الأئمة من بعده ونيابتهم عن الله تعالى ورسوله في أُمور الدين والدنيا. ثم أوضح النبي(صلى الله عليه وآله) ببيانه الرائع ارتباط ركني الإسلام: القرآن والعترةوفي الفقرة الرابعة من الخطبة وعندما كان أميرالمؤمنين (عليه السلام)واقفاً على المنبر إلى جانب النبي(صلى الله عليه وآله) أدنى منه بمرقاة، قال(صلى الله عليه وآله)له: "ادن مني". فاقترب منه أميرالمؤمنين (عليه السلام) فأمسك النبي(صلى الله عليه وآله) بعضديه ورفعه من مكانه حتى حاذت قدماه ركبة النبي(صلى الله عليه وآله) وشاهد الناس بياض إبطيهما، وقال عند ذلك:
من كنت مولاه فهذا علي مولاه، الّلهمَّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
وبعد هذا المقطع من الخطبة الشريفة أعلن النبي(صلى الله عليه وآله) للناس نزول ملك الوحي عليه يخبره عن إكمال الدين وإتمام النعمة بولاية أميرالمؤمنين (عليه السلام).